وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة محمد الصديق بن يحي –جيجل-
كلية الحقوق والعلوم السياسية
سنة أولى ماستر
تخصص دراسات استراتجية وامنية
من اعداد الطالب : موسى حداد
منظمات المجتمع
المدني ودورها في تحقيق الأمن العربي
الشامل
" الأهـــــــــــداف
"
يصنف مفهوم "المجتمع المدني"
من بين المفاهيم التي من العسير تعريفها والإلمام بكل معانيها، حيث أن للمصطلح
مراجع شتى (فلسفية، اجتماعية، سياسية، شعبية...) وتطوّرات في الزمان والمكان و له أهداف مختلفة،
فأصبح يستخدم بالمعنى الواسع و انطلاقا من
تأويلات متباعدة وحتى متناقضة . ومن المسلّمات إذن أن المصطلح الواحد يتضمن مفاهيم
متغيرة لا فقط في واقع الممارسة بل وكذلك على الصعيد النظري.
لقد
نشأ مفهوم المجتمع المدني وتبلور في نطاق حضارة ما وفي مساق تاريخي معين وبالتحديد تلاحق هذا
المفهوم مع انطلاق الثورة الصناعية وازدهار الاقتصاد الليبيرالي . وكان في البدء
من المفاهيم الفلسفية التي أسست النهضة الحداثية
الغربية.
وفي مقاربة
شاملة يتعلق المفهوم "بالعقد الاجتماعي" المؤسس للدولة الحديثة الذي نشأ
في العصر الأوروبي للأنوار في القرن الثامن عشر ميلادي[1].
والفكرة البارزة في تلك الحقبة التاريخية تهدف إلى التفريق بين مهام الدولة في تسيير الدواليب الأساسية وبوتقة العلاقات
الاجتماعية التي تتميز بالاستقلالية في
المجال الاقتصادي والاجتماعي، الاستقلالية
التي تعود في آخر المطاف إلى دور الفرد في المجتمع وضمان حقوقه الأساسية، اقتصاديا
واجتماعيا. وهذا ما جاء به الفيلسوف من
سكوتلندا ساموال فروقسون والمفكرين
الانكليز طوماس هوبز وجون لوك والألماني ايمانوال كانت والفرنسي جان جاك
روسو وكذلك رجال الاقتصاد آدام سميث وبارنار مانديفيل وغيرهم من المنظرين الذين حصروا مفهوم مجتمع المدني في
نطاق ليبيرالي فرداني يهدف لحماية الأفراد
بالأساس[2].
ثم تطور المفهوم مع الفيلسوف الألماني
هيقل الذي أدخل تغييرا جذريا على
المفهوم حيث اعتبر أن الدولة تشمل، بصفة
تأليفية، العنصر العائلي وعنصر المجتمع
المدني. واعتبر هيقـل أنه من مهام الدولة حماية العائلة وتسيير المجتمع المدني وبالتالي
ينصهر المجتمع المدني في المنظومة المؤسساتية
للدولة. فيكون المجتمع المدني في نفس الوقت مستقلا عن الدولة وتابعا لها ولا يتحرك
إلا في علاقة وطيدة بالنسبة لدواليب الدولة [3].
ولقد
تغيّر مرة أخرى هذا التصور للمجتمع المدني اللصيق بالدولة عند بروز النظريات
الاشتراكية الماركسية، حيث اعتبر كارل ماركس أن الدولة - بمفهومها البنيوي ليس إلا
التعبير السياسي للمجتمع المدني إذ يتلاحق السياسي والمدني في نفس البوتقة العقائدية (الإيديولوجية). ثم جاء
المفكر الايطالي الأصل انطونيو قرامشي لينتهج نفس السياق مع تعميق مفهوم
المجتمع المدني ليشمل ما يسميه المفكر
" الآليات الإيديولوجية ".
ويشمل
هذا المصطلح جميع الأجهزة والمؤسسات التي
توظف لنشر الأفكار والقيم والمعتقدات داخل
المجتمع وهي متكونة من المنظمات الحزبية والنقابية والدينية ومن الجمعيات بكل
أصنافها ومن المؤسسات التعليمية والتربوية وكذلك
من وسائل الإعلام والاتصال والبث الثقافي[4].
ويجوز
الربط بين هذه التصورات المختلفة للمجتمع المدني والنظريات السائدة على صعيد
الواقع والتي تتغير عبر الأقاليم. وهنالك من النظريات السياسية التي تبرز
العلاقة المتميزة بين الدولة والمجتمع المدني ( نظرية هيقل) وهنالك نظريات أخرى
التي تتميز بالطابع الاجتماعي المهيمن (
فكرة أنطونيو قرامشي) وغيرها من التطبيقات التي تكرّس دور فاعل لمنظمات المجتمع المدني يهدف إلى النهوض بالمكونات
البشرية ويؤهلهم للمساهمة بصفة تشاركية في
المسار السياسي والاجتماعي الخاص بالقطر الذي ينتمون إليه .
ومهما
كان التصور الذي ننطلق منه، يعتبر المجتمع المدني من حيث طبيعته "سلطة
مضادة" للسلطة السياسية السائدة ومن دوره أن يمارس المهام التي تتخلى عنها
السلطة السياسية وذلك في تصور متكامل مع وظائف الدولة ولكن بعين ساهرة من أجل
حماية الاستحقاقات الفردية داخل المجتمع .
وفي
هذا السياق يكون لمنظمات المجتمع المدني دورا أساسيا تشاركيا يهدف إلى تحقيق الأمن
الشامل في مختلف الدول وفي الدول العربية بالذات.
وانطلاقا
مما سبق, سنقوم في مرحلة أولى بتحليل الأهداف الخاصة بالأمن الشامل ( جزء أول) قبل
البحث في مرحلة ثانية, عن دور منظّمات المجتمع المدني في المساهمة في تحقيق
الأهداف المذكورة (جزء ثاني).
I-/
أهداف الأمن الشامل لتمكين الإنسان من
استحقاقاته الأساسية :
لقد
تعددت التعريفات في خصوص مفهوم "الأمن الشامل" ويكمن سبب هذا التعدد في
تطور المفهوم نفسه الذي تبلور وتعزز عبر الحقبات التاريخية التي تم استخدامه فيها
والأحداث التي استأثر بها ، كما تعددت التصورات والنظريات التي اهتمت بتحليله
وتعديله رغم أن المفهوم يعود إلى نشأة
حديثة جدا ( التسعينات)[5] .
وانطلاقا
من مقاربة تأليفية يعرّف الأمن الشامل
بقدرة الدولة (أو مجموعة بشرية منظمة) على تأمين المستوى الأدنى من الأمن تجاه المخاطر التي تهدد سلامة مكونات المجتمع).
وتعتبر هذه المخاطر باختلاف مصادرها وتنوع أشكالها ومهما كان وقعها و الغاية من ذلك
السعي للمحافظة على السير العادي للمؤسسات
وتواصل النشاطات الجمعياتية والفردية والحرص على دوام التنمية الاقتصادية.
فما وراء نشأة
هذا المفهوم الحديث؟
لقد
مرّ العالم أثناء العقدين الأخيرين بكوارث طبيعية هدامة وعاش اعتداءات بشرية عنيفة
وعرف تهديدات متعلقة باستخدام أسلحة مدمرة
أو ناجمة عن استخدامات تعسفية لتكنولوجيات الحديثة ويواجه العالم اليوم أزمات اقتصادية
ومالية عميقة كما يتصدى لهجرة
عشوائية يصعب السيطرة عليها .
ولقد
تفاقمت حالات البؤس الاجتماعي
الناجمة عن تواتر العنف الاجرامي والقمع السياسي وما ينجر عن ذلك
من عقبات تجاه مساق النمو الطبيعي والتقدم الحضاري، وحسب الاحصائيات الأممية يعيش
ما يقارب عن 1.5 مليار نسمة في مناطق تتوارد فيها مثل هذه المخاطر .
ورأت
المجموعة الدولية منذ أكثر من عقد من الزمن ضرورة العمل على تقليص العوامل التي تؤدي إلى تواجد واستمرار هذه الأوضاع
العنيفة والبائسة والمنافية لذات الانسان
وللتطور الحضاري. والتي تتعارض مع
أمن الفرد وتأمين المجموعة الوطنية وسلامة
المجتمع الدولي.
ومن
هذا المنطلق تمّ البحث عن حلول أمنية
جديدة والتفكير في آليات تتسم بأكثر نجاعة من شأنها الحفاظ على الأشخاص والمكاسب
وكذلك احترام القيم الانسانية الخالدة.
وهكذا
برز التصور الجديد للأمن الشامل الذي لا يتوقف على الأمن التقليدي بل يتجاوزه
ليشمل عديد الحلول والآليات المتقاطعة لمجموع
المخاطر والتهديدات. وذلك ليس باللجوء إلى
العنف والقمع بل بالاستجابة إلى متطلبات المجتمع والتوصل إلى تحقيق أمن
يشمل جميع مكونات المجموعة الوطنية .
ومن
المفيد التذكير أن مفهوم الأمن الشامل يرتكز على النظرية المنهجية التناسقية
النظامية وهي التي تفترض تدارس الأشياء في شموليتها وتفاعلاتها ولا تكتفي بتحليل
عناصرها بصفة منفردة.
وما
يبرر انتهاج هذه المقاربة المنهجية الجديدة يتلخص في أهمية المخاطرالمحدقة وآثارها
وفي تشابك المصالح وتلاحقها. أما المخاطر
فهي ظاهرة معقدة، لا تقف عند الحدود القطرية ولا تنحصر في المصالح الوطنية ولا
يمكن حصرها في مجالات محدودة وليس من الناجع التصدي لها بوسائل تقليدية أو بحلول
جزئية .
وتبعا
لمعاينة هذه الحقائق تم البحث عن نماذج
جديدة للسياسة الأمنية تختلف جذريا على النظام الأمني التقليدي البحت. وبرزت فكرة
المنظومة الأمنية الشاملة. لكل مجالات الحياة الاجتماعية
والهادفة إلى تأهيل الأفراد والمجموعات لتمكينهم من مواجهة ظروف عيشهم و كرامتهم وتعزيز حقوقهم الأساسية.
وتجدر
الإشارة إلى ظهور مفهوم آخر يتلاحق ويتقاطع مع "الأمن الشامل" وهو
مفهوم 'الأمن الانساني" والذي برز في
الأوساط الأممية سنة 2005 وكان موضوع تقرير عام
في ماي 2010وموضوع قار صادر عن الجمعية العامة في جويلية 2010 ثم تم تعيين مستشار أممي خاص بالمسألة (2010) وفتح نقاش عام في ذلك بالجمعية العامة في ديسمبر .2011
ويتميز
"الأمن الانساني" بالنسبة للأمن الدولي التقليدي بكونه يهدف لحماية
الفرد باعتبار قيمته الذاتية بالأساس وليس
فقط من أجل انتمائه لدولة ما . فيكون الفرد
محل عناية واهتمام من حيث حقوقه
الأساسية الأولية (ظروف العيش
والصحة والعمل) وكذلك في ما يتعلق بتحقيق حرياته التنظيمية والفكرية
والتعبيرية.
ويمكن
اختزال أهداف الأمن الانساني في مقولة رجل الاقتصاد الباكستاني محبوب الحق الذي أنشأ " مؤشر النمو
الانساني" (I.D.H) وهذا ما جاء في حديثه: "إن مفهوم الأمن الانساني يتضمن في آخر
المطاف كل طفل يبقى على قيد الحياة وكل مرض لا ينتشر وكل توتر عرقي لا ينفجر وكل
مخالف في الرأي لا يكمّم فمه وكل فكر
إنساني لا يتعرض للسحق" [6]
ولابدّ
من التذكير أن تعريف "الأمن
الانساني" لا يزال محل نقاش وتعارض بين ممثلي الدول والعديد منهم يعتبرون أن المصطلح فضفاض ويتقاطع مع مصطلحات مماثلة ( التنمية المستدامة، التنمية
الاجتماعية، الحق في التنمية...) كما أنهم يرون أن المفهوم واسع ومن شأنه تبرير
التدخل في شؤون الدول والمس من مصالحهم
ومن وظائفهم السيادية[7].
ولا
شك أن مفهوم الأمن الإنساني يتلاحق كذلك مع مفهوم "الأمن الشامل" بل هو
جزء هام من مكوناته.
وهكذا
تتجلى أهداف الأمن الشامل عبر جل الميادين التي تتعلق بحياة الإنسان ومشاغله ومن
المفيد أن نذكر بأهميتها بعد محاولة تصنيفها بصفة تأليفية[8].
1-) الأهداف الناتجة عن
المخاطر الطبيعية والأزمات :
إن
الكوارث الطبيعة والأزمات الجماعية تخلف عموما آثار اجتماعية يصعب تداركها. ويكون
من الأنجع استدراكها قدر الامكان ومحاولة
التخفيف من نتائجها الوخيمة. وفي ما يلي
نشير إلى أهم تداعياتها.
أ) الوقاية من أضرار الكوارث بجميع
أصنافها والتحديات العالقة بالمحيط
إن
المنطقة العربية تجابه ضغوطات متعقلة بالمحيط
تتزايد وتهدد بسلامة المتساكنين
وهي ناتجة عن عدة عناصر سوف نذكر بأهمها وبطريقة تأليفية .
- الضغط الديمغرافي :
يقدر
تزايد السكان بـ 385 مليون نسمة لسنة
2015 بينما كان يعد بـ 331 مليون نسمة
لسنة 2007 و 172 مليون لسنة 1980 ورغم هذا التزايد الطبيعي ويعتبر معدل النمو
الديمغرافي في انخفاض مع الإشارة إلى أن عدد سكان
المدن في تكاثر ملحوظ (% 38 في سنة 1970 و %
55 في سنة 1980 وأكثــــــــر من % 60 في التكهنات لسنة 2020.
كما
أن عدد المتساكنين الشبان في نمو مستمر (%
60 بالنسبة لمن لهم أقل من 25 سنة بما
يساوي معدل عمري بـ 22 سنة بينما المعدل العالمي يصل إلى 28 سنة).
لا
يجوز اعتبار هذه الأرقام في حد ذاتها كمؤشر تهديد ولكنها تؤشر إلى تضخم التحديات
بالنسبة لقدرة الانتاجية وطاقة التشغيل.
أما
في خصوص التحديات الطبيعية ، نشير أولا لمسألة التصحر الذي يتفاقم شيئا فشيئا حسب
الأرقام المقدمة من قبل المختصين ، حيث تكتسح
الأراضي العربية.
وفي
ما يتعلق بالموارد المائية فهي قليلة بالنسبة للحاجيات ، مع الملاحظة أن أكثر من
نصف الموارد (% 57) صادرة عن منابع مشتركة مع الجوار وهي
موضوع اتفاقيات لا تتصف بالانصاف ولا بالنجاعة بل تبقى رهينة التوترات السياسية في
المنطقة إضافة إلى أن المياه الصالحة للشراب تتعرض في العديد من الجهات إلى التلوث
الناتج عن استخدام مفرط للمواد الكمياوية
كما أنها صعبة البلوغ في الأنحاء النائية . رغم أن المنطقة العربية لا تشكل
مصدر للتلوث الهوائي لأنها لم تتقدم كثيرا في المجال الصناعي فهي تشكو من التغيرات
المناخية الكونية بصفة ملموسة
كل
هذه التهديدات الطبيعية من شأنها تنمية الأزمات الاجتماعية وإرباك الأمن الوطني
ب) حماية البنيات الأساسية والشبكات
الحياتية، بما يدرج في ذلك مؤسسات ومسالك الطاقة والتنقل والمواصلات والاتصالات .
ج) الوقاية من الأمراض الوبائية
المعدية والقابلة للانتشار
ففي ميدان
الصحية قد توصلت الدول العربية إلى تحسين الخدمات
الصحية بصفة ملحوظة ولكن يبقى النظام الصحي على نقائص أساسية بالتمويل
المحدود والتجهيز غير الكافي وعدم المساواة أمام الخدمات الصحية وعدم استئصال بعض الأمراض الوبائية الخطرة في بعض المناطق.
د)
التنبؤ بالأزمات الغذائية والاهتمام
الخاص بمناطق المجاعة وبؤر الفقر المدقع. إن البلدان العربية تشكو بصفة متفاوتة من الإشكال الغذائي
حسب الجهات وحسب الفئات ، فلا يزال النقص
الغذائي وصعوبة البلوغ إلى الانتفاء
الذاتي لجميع المستهلكين .
هـ) الإسراع بحل الأزمات الاقتصادية
والمالية الكبرى بالتخطيط والإصلاح وحبر الأضرار .
يختلف المستوى الاقتصادي من نظام إلى نظام ولا يجوز التعميم في هذا المجال ،
ولكن يمكن الجزم أن النماذج الاقتصادية المختلفة تشوبها نواقص هيكلية تؤدي إلى
معدّل نموّ غير مستقرّ وتفاقم البطالة
معدل ( %14,46
لسنة 2005 بينما كان المعدل العالمي ( %6,3)
واستمرار بؤر الفقر ( قرابة ( %20,3)
من سكان البلدان العربية يعيشون تحت سقف معدل الفقر الدولي حسب إحصائيات 2005)
تؤشر
هذه الأرقام بتطورات اقتصادية غير ثابتة تشكل تحديات من شأنها إرباك الأمن الإنساني العربي.
2) الأهداف المتعلقة
بالحماية من الجرائم المنظمة والانتهاكات المنافية للانسانية:
إن
الجرائم المنظمة وتشكل ظاهرة تتفاقم يوميا وتحدث العديد من الأمراض
الاجتماعية" التي تتعارض كليا مع النمو الإنساني من النواحي المادية
والمعنوية . أما الانتهاكات المنافية للإنسانية،
فهي مهما كان مصدرها تشكل عوائق في مسار
البشرية نحو الحياة الحضارية الصحيحة ، فل نذكّر بأهم جوانبها.
أ-/ الحماية من الجرائم المنظمة
والأعمال الإرهابية والتهديد باستعمال أسلحة الدمار والأسلحة
البيولوجية.
لا
شكّ أن النظم التشريعية العربية تتضمن ثغرات وعيوب من شأنها قلة ضمان الأمن الذاتي
للمواطن. ويعني هذا بالخصوص الفئات الضعيفة (العنف ضد النساء، تشغيل الأطفال أو
تجنيدهم، استغلال الأشخاص...)
ويتجه
تدارك هذا الأمر بمعاينة مظاهر التعسف والاستغلال والعمل على تحسين الظروف
القانونية والاقتصادية والاجتماعية للغرض.
ب) مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية
على الصعيد الوطني وعبر الأقاليم بما في
ذلك الرشوة والفساد وتبييض الأموال وشبكات المخدرات والتجسس الصناعي والاستغلال
الجنسي .
ج) الوقاية من الاستخدامات التعسفية
لتكنولوجيات الاتصال والإعلام الرقمي والشبكات الاجتماعية .
د-) التصدي للانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والجرائم التي تمس بالإنسانية
هـ ) مكافحة آفة البطالة والتصدي
للهجرة العشوائية المحدثة لأوضاع مأسوية.
فكيف
يمكن تحقيق كل هذه الأهداف؟
من
دواعي الحوكمة الرشيدة احترام الذات البشرية وضمان الحقوق الأساسية ويرتكز هذا
التمشي على شرعية السلطة واحترام علوية
القانون واعتبار المؤسسات واجتناب التعسف والافراط في أداء السلطة والقيام
بالوظيفة . وبالتالي فالأمن العربي الشامل في ارتباط وطيد بطبيعة العلاقة القائمة بين السلطة والمواطن. وهكذا أصبحت
الحوكمة الرشيدة الوسيلة لإنشاء المناخ
الجيد لتحسين العلاقات البشرية وإنجاح مسيرة النمو.
إن
هذه الأهداف تبدو خيالية عندما نذكرها في مجملها. ولقد أضحى أنه من العسير التصدي لها على الصعيد الوطني فحسب. وما
تتميز به إستراتيجية الأمن الشامل يكمن
بالذات في التوصل إلى تحقيق الأهداف
بصفة تدريجية ولكن عبر مقاربة شمولية
ترتكز على معالجة الأوضاع بأساليب متعددة الأوجه
ومستعرضة القطاعات ومتناسقة بين
الأطراف المعنية .
وفي
حقيقة الأمر يكمن عنصر الاختلاف بين السلوك التقليدي والنظرة الجديدة لحل المشاكل
وفض النزاعات في الاهتمام الخاص والمتزايد بالإنسان في حجمه الذاتي الأساسي أي
الفردي. فكل شخص حري بالعناية الموصولة انطلاقا من حاجياته الأساسية واحتراما
للقيم العليا التي يؤمن بها . ومن أوكد الحقوق في هذا السياق ما يتعلق تمكين الفرد
من الوعي بحاجياته وبحقوقه والإتاحة له بوسائل التعبير والتبليغ عن حاجياته
وطموحاته.
فكيف
التوصل إلى إرساء هذا الأسلوب التشاركي بين الحاكم والمحكوم، بين المواطن والسلطة؟
النظرة
الجديدة تتدرج في إطار ما سمي "بالحوكمة
الرشيدة" التي تعكس خيارات المجتمع أو بالأحرى "المجتمع المدني". إن
المجتمع المدني يتكون من مجموعات تلتئم من
أجل أهداف معينة وتبرز في الفضاء العام
لغاية أساسية تتلخص في تأهيل الأفراد للمشاركة الفعالة في الخيارات الوطنية الأساسية عن طريق آليات الاقتراح والتوصية وبتفعيل وسائل الضغط عند الاقتضاء[9].
II
-/ دور المجتمع المدني في تحقيق الأمن الشامل :
التساؤل
المطروح يخص معرفة هل أن منظمات
المجتمع المدني بإمكانها القيام بما لم
تتمكن من انجازه السلط العمومية والتي يفترض أن يكون لها العديــــد
من الوسائل المتاحة لتقويم الأعمال ولتحقيق
المشاريع .
وهل
يمكن اعتبار أن هذه المنظمات مؤهلة حقا للمساهمة الناجعة في ما يتعارف على تسميته
بالحكومة الرشيدة، وذلك في المجال السياسي والإداري والمالي؟ وكذلك في المجال
الاقتصادي والاجتماعي ؟ أم أن هنالك
نوع من التضخيم للدور المناط لهذه المنظمات؟
تتميز
منظمات المجتمع المدني بالعديد من الوظائف الاجتماعية والتي يمكن اختزالها في العناصر
التالية [10]:
1-/ وظيفة الوساطة بين عناصر المجتمع المدني والسلطات
العمومية :
بحكم مكوناتها
تعمل منظمات المجتمع المدني على
ربط العلاقة بين المواطن والدولة فهي تسعى إلى تجميع مختلف الآراء والمقترحات المؤسسة على قيم
توافقية ومصالح خصوصية بهدف تقديمها بصفة مباشرة للسلط العمومية. والغاية من ذلك
ترنو إلى لفت انتباه أصحاب القرار بما يصبو اليه المواطن أو في ما يتخلله القرار المرتقب من نواقص أو شبهات .
وتهدف
مكونات المجتمع المدني عن طريق وظيفة الوساطة إلى المساهمة في حل بعض الإشكالات أو
الحد من التوتر الناتج عن بعض النزاعات الاجتماعية. ولعل في هذه الوساطة ما من
شأنه تدعيم التماسك وتعميق التضامن بين أفراد
المجتمع. وتدرج في هذا النطاق جل
الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي أو الخيري
التي من دورها السعي إلى مساعدة الفئات الاجتماعية الضعيفة .
2-/ وظيفة حماية الأفراد
تجاه الانتهاكات والتعسفات التي تستهدف حقوقهم
المكتسبة أو تقلص من حرياتهم الأساسية.
من
بين الوظائف الأساسية التي تقوم بها منظمات المجتمع تأتي وظيفة التصدي لكل تدخل
مخالف للقانون في"الفضاء الخاص" للأشخاص والمجموعات الصادر عن هياكل
الدولة أو أعوانها. ويندرج هذا السعي المتواصل في أول اهتمامات منظمات المجتمع
المدني ويتم تفعيله بشتى الوسائل المتاحة .
ولهذا
الغرض تستخدم المنظمات المعنية آليات
الملاحظة والرصد والمراقبة تجاه قرارات السلط السياسية .
3-/ الوظيفة التشاركية أو
المساهمة في الممارسة الديمقراطية.
إن المجتمع المدني في رأي أحد المنظرين (الكسيس دي
توكيفيل) "مدرسة للديمقراطية"، حيث يكون من دور المنظمات المكونة له تثقيف المواطن وحثه على المشاركة في الأحداث
السياسية، وبهذا الأسلوب تتكون النخب
السياسية وتؤهل للوصول عند الاقتضاء إلى هياكل القرار السياسي ، وهو ما يعبر عنه بوظيفة
تركيز " الثقافة السياسية " لدى
المواطن وبالنسبة للرأي العام بصفة أشمل .
وفي
سياق هذا التأهيل تنصهر وظيفة المساهمة في تركيز الديمقراطية أو ما يعبر عنه بـ
"الدمقرطة" ، فكرا و سلوكا وتشريعا.
ومن
طبيعة منظمات المجتمع المدني أن تقوم بدور
الفضاء المفتوح لغاية تمكين المواطن من
المشاركة في شؤون المجتمع و لغاية تطوير
اهتمامه بالشأن العمومي والسياسي كي تتسنى له القدرة على إبداء الرأي وتقديم المقترح فيما يصدر عن السلط
السياسية .
وتجدر
الإشارة إلى تضخم دور منظمات المجتمع
المدني في البلدان التي اعتادت منذ عقود على التعامل التشاركي، حيث تتدخل هذه المنظمات في جل الميادين السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، ونلاحظ أن هذا
التدخل لا يستبعد المجال العسكري الذي
يحاط عادة بالسرية القصوى. و الملاحظ أن طريقة التعاون عبر منظمات مختصة في المجتمع المدني تساعد على تخفيض التواتر
وتهيئة الظروف الملائمة لحل بعض المسائل
وفهم حقيقة المخاطر وذلك تباعا لربط
العلاقة بين المختصين في المجال الأمني
وغيرهم من المواطنين السامين والجامعيين
لغاية تأسيس مخبر أفكار ومصدر
مقترحات وتوصيات .
وفي
هذا النطاق بادرت بعض البلدان (وعددها
قليل) بإنشاء معاهد عليا للدفاع الوطني تهدف إلى
التوصل إلى تصورات إستراتيجية تشاركية للأمن الشامل.
4) دور المجتمع المدني في
المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة :
لا
شك وأن السياسات الوطنية الاقتصادية تكون من أهداف ومشاغل وصلاحيات السّلطات
العمومية التي تسهر أساسا على تهيئة الظروف المستوجبة والمناخ الملائم لبعث المؤسسات وتجهيز البناءات وتنظيم
البنوك وتشجيع الاستثمارات وتكوين الإطارات
وتهيئة ظروف التشغيل.
ولكن الملاحظ
اليوم أن دور الدولة أصبح يتقلص في عدة ميادين كما أن الحكومات تعجز على الاستجابة بصفة مرضية لكل متطلبات
المجتمع.
وعلى
سبيل المثال، تحولت مسألة التشغيل إلى معضلة تتطلب من قبل الفاعلين السياسيين
والاقتصاديين أكثر تصورا وتجديدا في التفكير للبحث عن أنماط إنتاجية من شأنها فتح
آفاق التشغيل العام والتشغيل الذاتي لطالبي الشغل.
وفي
هذا السياق يكون دور المجتمع المدني بالمساهمة حول هذه المسألة اعتبارا لإمكانية إنشاء الشبكات المؤسساتية عن قرب ومن
باب الثقة المتبادلة.
ولقد
اختصت عديد الجمعيات في إسناد
"القروض الصغرى" التي تمكن الكثير من طالبي الشغل من إنشاء مواطن شغل
ذاتية مربحة. ويعد استخدام القروض الصغيرة أنموذجا بادر به الأستاذ يونس من بنغلاداش
عن طريق شبكات تربط بين المقترضين ، ولقد اتسم هذا الأنموذج بالنجاعة والدوام ،
كما تطور وانتشر في العديد من أنحاء
العالم وتمكن الانتفاع بنتائجه الملايين
من الأشخاص . ومن هذا المنطلق يجوز تعميم هذه الآلية مع تطوير طرق استخدامها
وما
تختص به منظمات المجتمع المدني في أداء دورها لتحقيق الأمن الشامل لا يرتكز على
المقاربة الأمنية الضيقة بل على الاستجابة
للحاجيات الإنسانية لأفراد المجتمع ومن دور هذه المنظمات تمكين الفئات
الخصوصية التي تمثلها وتتحدث باسمها من التعبير عن آراءها خارج الأطر الرسمية أو السياسية. وبهذا الأسلوب التشاركي يحصل توجيه القرار
السياسي والتشريعات الوطنية في مسار صحيح ومتلائم مع متطلبات المجتمع .
الخاتمــــــــة :
بقطع
النظر على بعض الاستثناءات ، يمكن اعتبار أن القطاع الجمعياتي في الدول العربية لا
يحظى بالعناصر المستوجبة لأداء دوره بصفة فعالة ومرضية ، ويصعب اعتبارها في الوقت
الراهن بمثابة قوى جماعية حقيقية لها وزن في مسار المجتمعات المعنية ، إلا أنه من المفيد أن نصنف
منظمات المجتمع المدني إلى صنفين أساسيين:
- المنظمات التي تحوم في فلك
السلطة العمومية وعددها كثير وتأثيرها
ضعيف. وهي بالأساس الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي أو الخيري وهي التي
تسعى للعمل كأطراف متفاعلة مع الدولة وليس كسلطة
مضادة. وهي تقبل توظيف نشاطها في سياق علاقتها مع السلطة .
- والمنظمات ذات الطابع السياسي أو
الحقوقي والتي تركز اهتماماتها على المطلبية والدفاع بحزم على بعض الاستحقاقات.
وهي عددها قليل ودورها غير متساو في الزمان والمكان و يتّخذ البعض منها منحى دور "السلطة المضادة" ولكن بجدوى محدودة. وتندرج في
هذا الصنف المنظمات الحقوقية أو المهنية .
ولكن والحق
يقال أن الدول العربية تعوّدت على مركزية السلطة منذ تكوينها أو الحصول على
استقلالها السياسي. ولقد تمكنت عبر ذلك
التمشي من بناء دولة قائمة الذات ومتشبثة
بسيادتها. ولكنها مطالبة اليوم بالتخلي عن
البعض من صلاحياتها لفائدة المنظومة الدولية
من عدة جوانب ولفائدة المجتمع
المدني في جوانب أخرى.
فالسؤال المطروح في هذا الصدد يخص قدرات الدولة
على مواصلة مسار التنمية الاقتصادية المستديمة وهي محاصرة على الصعيد الدولي في ما
يتعلق بسيادتها من جهة كما هي ملاحقة من قبل المجتمع المدني من جهة ثانية.
والغاية من
هذا التساؤل ليس التقليص من أهمية دور منظمات المجتمع المدني ولكن الهدف منه محاولة
تحديد دور المجتمع المدني بالنسبة للدولة في سياق التنمية السياسية والاقتصادية
والاجتماعية في ظروف داخلية وخارجية جديدة وحساسة.
ونضيف تساؤلا
آخر يتعلق بطبيعة المجتمع المدني في معظم الدول العربية. هل هو متميّز بطابع
التناسق مما يجعله في استعداد للمساهمة
المنظمة والناجعة لغاية تحقيق أهداف الأمن الشامل؟ أم هو معقّد التركيبة ومتعدد
المصالح وربما متناقض التوجهات؟ وبالتالي
لا يمتلك للآليات التي تؤهله لأداء وظيفة السلطة "المضادة"؟.
إن مكونات
المجتمع المدني تختلف من بلد إلى آخر حسب
عديد العوامل (التركيبة الاجتماعية ، النظام السياسي ، التراتيب القانونية...)
ولكن ورغم هذا التنوع الكمي والكيفي تبقى الثوابت. ومن أهم الثوابت ما يكمن
في دور المجتمع المدني في التعبير عن مطالب وطموحات المواطنين وتأهيلهم على ذلك وتمكينهم
من المشاركة في بلورة الحوكمة الرشيدة وفي آخر المطاف من المساهمة في مسيرة
التنمية.
[1] - E. Geliner, civil society in historical
context, International social Science Journal, 43, august 1991, pp. 495.
[3] -
J. Keane, Civil society and the state,
London, New York, 1988 pp 35 ; Z.A Pellzywski,
the state and civil society; studies in Hegle Political philosophy, Cambridge
university press 1985.
[4] - A. Grams i, Lettres de prison, Gallimard ed., 1978 ; C. Buci- Gluksma BB, Gramse et l’Etat,
Pris, Fayard ed., 1975.
[5] - المراجع : تقرير برنامج الأمم المتحدة
للتنمية لسنة 2011 (النزاعات والأمن
والتنمية ) وكذلك تقرير الأمم المتحدة حول " أهداف الألفية لغاية التنمية (نيورك سنة 2000 وما تحقيقه من هذا البرنامج (
تقرير سبتمبر 2010)
[10] - Balti wala,
Srilata and Brown,
La société civile transnationale Bloom fiel, Kumariam Press, 2006
A.
Laurent Chikering, la
société civile et la sécurité internationale, Hoover entreprise Press,
Stanford, 2006, G .
Baker and D. Chandler, civile
mondiale London, New York, Routeledge, 2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق