الأزمة الخليجية :
الدوافع الحقيقية -الانعكاسات وأهم السيناريوهات

مقدمة :
كما هو معروف أن الأزمة
الخليجية اندلعت فعليا في الخامس من جوان عندما قررت الدول الخليجية أو ما يطلق عليها دول التحالف ممثلة في كل من السعودية، البحرين، الإمارات
العربية المتحدة،إلى
جانب مصر،الأردن، حكومة اليمن، وجزر المالديف، جزر القمر، قطع علاقاتها
الدبلوماسية مع الدوحة،
الأمر الذي يثير حسب رأي العديد من التساؤلات التي يجب الإجابة
عنها ممثلة في الأسباب الحقيقية للأزمة لأنه وكما معروف في الأدبيات السياسية أن
لكل حرب أو أزمة أسباب ظاهرة وأسباب خفية،
أو ما
يعرف بالأسباب الحقيقة للأزمة على خلاف ما
تدعيه دول الحصار وعلى رئسها المملكة العربية السعودية وكذي زمانها والدولة المعنية بالأزمة ونقصد هنا
قطر التي تعتبر دولة حليفة لدول الحصار ؟
الدوافع الحقيقة للأزمة الخليجية :
أ
-الوضع الاجتماعي
غير المستقر في المملكة العربية السعودية، بسبب سياسات الحكومة الفاشلة في الجانب
الاقتصادي من خلال تركيزها على الجانب العسكري بإنفاق ملايير الدولارات في
المستنقع اليمني،على حساب التنمية الداخلية وعدم محاولة تحسينها للوضع الاقتصادي للمواطنين.
ب-تطبيق المملكة لما أسميه نظام المقصلة من خلال قمع الحريات الفردية وقيامها
بحملات اعتقال واسعة طالت العديد من الصحفيين والمعارضين وحتى علماء الدين لم يسلموا
في مشنقة الدكتاتورية السعودية وتجلى ذلك من خلال قيام نظام "أل سعود"
المافيوي إعدام الشيخ "نمر باقر النمر" رحمه الله .
ج- دخول المملكة في أضخم سباق تسلح لم تشهد
المنطقة مند نهاية الحرب الباردة، بسبب الارتفاع الرهيب في الإنفاق السعودي على الأسلحة،
فوفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRL) أن نظام "أل سعود"
أنفق ما قيمته 70مليار دولار على التسلح خلال عام 2017 بزيادة قدرت ب 9,2 في المائة عن العام2016، وبذلك تحتل السعودية المركز الثالث عالميا في الإنفاق
العسكري بعد كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فبالرغم من انخفاض أسعار النفط
إلى أذنى مستوياتها إلى أن استمرار النزاعات المسلحة ونقصد هنا أساسا النزاع في
اليمن وصراع النفوذ أو ما يطلق عليه السباق من أجل الزعامة وقيادة العالم العربي، ومحاولة
نظام "آل سعود" بقيادة "الملك محمد سلمان" لتزعم القطب العربي
دفعها إلى زيادة إنفاقها العسكري وإهمال الجانب التنموي والذي سيكون له انعكاسات
خطيرة على استقرار المملكة ونظام "آل سعود" الذي سيواجه معارضة داخلية شرسة
نتيجة إهماله للجبهة الاجتماعية، وفشله في الجبهة الخارجية ونقصد هنا الحرب
السعودية في اليمن.
د-سقوط نظام "آل سعود" "نظام
المافيا" في المستنقع اليمني والفشل الذريع الذي لقيه في اليمن،حيث أذى التحالف
العربي بقيادة الرياض إلى :
-1 أسوء أزمة إنسانية في منطقة الشرق الأوسط والعالم حيث تجاوز عدد
القتلى10 ألاف شخص.
7-2ملايين نسمة أي ربع السكان في اليمن مهددون بالمجاعة.
-3مليون
شخص في اليمن مصابون بالكوليرا.
-4انقسام
اليمن حيث أصبح اليمن أكثر فقرا وانقساما منذ تأسيسه بسبب عدم قدرة الرياض إدارة
الأزمة في اليمن.
-5أصبحت
المملكة العربية ملاحقة من قبل منظمات إنسانية دولية وحكومية بسبب المجازر
اللائنسانية التي ارتكبتها في حق المذنبين والأطفال حيث أشارة هذه المنظمات
الحقوقية على غرار منظمة" Human
Rights Watch" إلى أن عدد القتلى في اليمن قد بلغ100 ألف قتيل، منذ
بداية ما يعرف ب "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية.
الأمر الذي تأكد من خلال
التصريحات التي كشف عنها رئيس هيئة أركان الجيش السعودي الفريق أول ركن "عبد
الرحمن بن صالح"، الذي أكد أن الحرب في اليمن قد أنهكت الجيش والدولة على حد
سواء اقتصاديا وبشريا وقتلت
وجرحت الآلاف من جنوده وضباطه على يد الحوثيين المواليين لإيران، فقد خسر النظام
السعودي ما يقارب 03 ألاف جندي وضابط في معارك ما يعرف بإعادة "الشرعية لليمن"، إلى
جانب فقدانه ما يقارب300 ألف
جندي.
ضخت المملكة العربية السعودية
بقيادة نظام "آل سعود " ملايير الدولارات في هذا الجحيم اليمني، بسبب
تصورهم الخاطئ للحرب عامة وجهلهم بمعنى كلمة حرب، فحسب اعتقادهم أن الحرب في اليمن
سوف تكون مجرد نزهة في حديقة أزهار وعلى بساط أحمر مرصع بالألماس، إلا أن جنون
القوة والغطرسة والجهل الذي يعاني منه الحكام في الرياض، وأحلام الملك "المراهق بن سلمان" الذي يصور
الحرب في لعبة كرطون قد أدت إلى ضياع بوصلة "آل سعود" في صحراء اليمن.
وحسب اعتقادي أن شعور النظام في الرياض باقتراب ساعة رحيله،وفشله داخليا
وخارجيا، يدفعه إلى تقديم آيات الطاعة العمياء للمشروع الصهيوني في المنطقة، وحسب
اعتقادي أن دخول هذا النظام الدموي الحرب على اليمن ومحاولة تشويه صورة حزب الله
في نظر الشعوب العربية وإدراجه كمنظمة إرهابية و محاولة إفشال الحل السياسي في
سوريا و افتعال حرب كلامية مع إيران و تعطيل انتخاب الرئيس في لبنان و إعطاء
الأوامر للجماعات الإرهابية لضرب الشعب التونسي عقابا على مساندته و إطاحته
المعنوية بقرار توصيف حزب الله كمنظمة إرهابية كل هذه الحوادث و الإشارات هي حالة
هستيريا متصاعدة أصابت النظام الفاشل و جعلته يتصرف بعدوانية كئيبة ضد كل الجيران
و الأشقاء العرب خاصة أن الاتفاق النووي بين أمريكا و إيران يعتبر من وجهة النظر
السعودية دليلا قطعيا على تغيير التوازن لصالح الجمهورية الإسلامية في إيران، كل هذه المتغيرات التي شهدتها الساحة السياسية السعودية وما تعرض له نظام
الرياض من ضربات داخليا وخارجيا، وخاصة الغرق السعودي في اليمن دفع بالأسرة
الحاكمة في المملكة إلى محاولة توجيه الرأي العام السعودي والعربي إلى قضية أخرى
قد تعيد له ثقته بنفسه حسب تصورهم واعتقادهم وتجعله محل شرعية كما يفعل الخاسر
والفاشل دوما وهو إلقاء اللوم على الآخرين، وذلك من خلال افتعال أزمة توجه الأنظار
بعيدا عن إخفاقاته وقرب سقوط أعمدة قصره المتهالكة فكانت قطر الدولة التي رفعت رأس كل العرب من
خلال ما قدمته وتقدمه من دعم للقضية الفلسطينية ولجميع القضايا العادلة في العالم،
على جميع الأصعدة ، وعدم انسياقها وراء الغطرسة والتهور السعودي، هي الهدف الذي اختارته الدولة الجريحة ونقصد هنا مملكة
جحا.
انعكاسات الأزمة القطرية على
الدول الخليجية :
-1السعودية

الأزمة الخليجية المفتعلة والحصار الغير مبرر لدولة قطر، والمطالبة بإغلاق
قناة الجزيرة، ووقف الدعم لحركة المقاومة حماس، ووقف التعامل مع إيران، كشف الوجه
الحقيقي لدولة الإمارات وحاكمها "محمد بن زايد"، كما أنها أيضا كلفت
السعودية خسارة رصيد سمعتها ومكانتها لدى الشعوب العربية، التي باتت تنظر لها على
أنها دولة غطرسة، مطبعة مع الكيان الصهيوني ومعادية لكل ماهو معادي لدولة الكيان
الصهيوني، وحليفة لكل ماهو حليف لها.
تكبدت المملكة العربية السعودية خسائر مالية معتبرة جراء الأزمة الخليجية،
من خلال انفاقها لملايير الدولارات على هذه الأزمة، كما أن سوق الاستثمار السعودي بدوره
تكبد خسائر كبير جراء سحب الاستثمارات السعودية من قطر، كما أن قطاع التجارة
والطيران والمواصلات السعودية قد نال نصيبه من الخسارة نتيجة هذا الحصار.
-2قطر

أدت الأزمة الخليجية والحصار الجبان الذي فرضته دول التحالف على دولة قطر، إلى
زيادة شعبيتها ونفوذها في الأوساط الجماهيرية العربية، حيث عبرت معظم الشعوب
العربية عن تضامنها مع قطر بسبب مواقفها العادلة مع مختلف القضايا العربية وعلى
رأسها القضية الفلسطينية.
الانتشار العسكري التركي في قطر والذي يعتبر مكسب جيواستراتجي ورادع أمني
ضد أي محاولة عسكرية يمكن أن تقوم بها السعودية وحلفائها، يعد أهم مكسب محقق من
هذا الحصار.
إن خسائر الدوحة من
الأزمة الحالية في حال استمرارها بنفس وتيرتها الحالية، لن تتجاوز 15 مليار دولار،
وهو رقم ضئيل مقارنة بحجم الصادرات القطرية التي تتجاوز 77 مليار دولار.
وتمتلك دولة قطر الغنية بموارد
الغاز الطبيعي موارد مالية تمكنها من مواجهة تحديات الحصار، باحتياطي نقدي فوق الـ
40 مليار دولار، وصندوق الثروة السيادي الذي تبلغ قيمته 335 مليار دولار ويمتلك حصصا في الشركات العالمية مثل "فولكس
فاجن" وبنك "باركليز".
-3الامارات

خسائر مالية معتبر في الاقتصاد الإماراتي ،حيث
أن الأزمة تخطت قطر لتصل إلى الدول المتسببة في الحصار، فقد عمدت بعض البنوك الإماراتية
منذ بدء الأزمة إلى سحب استثماراتها المالية في بعض الصفقات القطرية الجديدة دون
استكمال عملية سحب القروض التي قدمتها لقطر ، وذلك في انتظار حل الأزمة ، ومع
فرضية إبقاء الحال المتأزم ستضطر المؤسسات البنكية الإماراتية إلى البحث في عملية
التفويت، ولن يكون ذلك الإجراء بدون خسائر مالية هامة .
ولن تقف هذه الخسائر عند المجال المالي فقط، بل بجدر
التذكير بأن قطر رصدت مبالغ ضخمة لاستكمال مشاريع البنية التحتية المتزامنة مع
تحضير حدث المونديال 2022 الذي ستحتضنه، ولقد كانت مرافئ دبي التي تعد ممرا
رئيسيا للنفط و الغاز القطري المصدر إلى دول العالم ، منتفعة أيضا من متطلبات
المشاريع القطرية التي أقفلت أمامها كل السبل بفعل الحصار، و بذلك ستكون الإمارات
قد خسرت إحدى أهم حلفائها الاستراتيجيين على أصعدة مختلفة. في ظل السيناريوهات المقترحة، يطرح
السؤال عن مصير مشروع السوق الخليجية المشتركة إذا ما تم سحب عضوية قطر من
مجلس التعاون، و مشروع العملة الخليجية الموحدة ؟ ولقد اعتبر محافظ مصرف البحرين المركزي مؤخرا أن تعطيل مشروع العملة الموحدة
لدول مجلس التعاون، بعد عرقلته في فترة سابقة من طرف دولة الإمارات العربية
المتحدة، يمثل خيبة كبرى لدول المجلس، آملا في استئناف الحلم الذي تتطلع مملكة
البحرين إلى بلوغه وفي انتظار ذلك يتوجب على دولته الالتزام بربط الدينار البحريني
بالدولار الأمريكي لأنه الضمانة الوحيدة لاستقرار عملة بلاده في ظل الأزمة الراهنة.
أهم السناريوهات :
السيناريو الأول :زيادة وتيرة الحصار والعزلة الذي تفرضه دول التحالف على الدوحة اقتصاديا
وسياسيا، وفرض حصار بري وبحري من أجل إضعاف قطر اقتصاديا وإجبارها التخلي عن
مواقفها المناهضة لحكومة الرياض.
السيناريو الثاني: انعكاس
الأزمة على دول الحصار، و سقوط النظام في الرياض وحل نهائي للأزمة، من خلال
اندلاع غضب شعبي عارم مطالب باستبدال النظام القائم بأخر أكثر ديمقراطية، والسيناريو
المرجح لحدوث ذلك هو سيناريو التغيير العنيف بدلا السلمي أي التغيير من أسفل إلى
أعلى وذلك نتيجة فقدان الثقة بالسلطة القائمة، ووصول الطبقة الاجتماعية إلى مرحلة
اليأس .
السيناريو الثالث : سوف تأخذ الأزمة الخليجية منحى
تصاعدي، قد يصل إلى حد تهديد النظام السعودي بقيادة الملك "محمد بن سلمان" القيام بضربة
عسكرية ضد قطر إذا لم ترضخ لمطالب المملكة وعلى رأسها قطع علاقاتها مع "حماس"
و"حزب الله " .



يكتبها :
موسى حداد
باحث واستراتيجي في شؤون الشرق الأوسط والخليج








